الرئيسية

الشيخ محمد علي دبوز

مكتبة الصفاء

جمعية الصفاء

مواعيد علمية

ملاحظات واقتراحات

تعريف مفصل للشيخ

تعلقت همته بالتوجه إلى مصر، كنانة الله في أرضه، وحاضرة الثقافة العربية والإسلامية في ذلك العصر لما تتوفر فيها من جامعات ومعاهد وتحتويها من عباقرة الأدب العربي والفكر الإسلامي؛ أمثال الدكتور طه حسين والدكتور زكي مبارك والدكتور أحمد أمين و عباس محمود العقاد وأنور الجندي وغيرهم الكثير الذين لايشملهم حصر، ولما تتوفر فيها من الكتب والمجلات النادرة التي لاتصل إلى تونس إلا لماما؛ لسبب ظروف الحرب، ولما تحتويها أيضا من خزائن عامرة بالمخطوطات في جميع الفنون الثقافية.

أسرّمحمد علي لصديقه محمد مرموري بما صبت إليه همته، واستقر عليه عزمه، ويا ما حاول أن يثنيه عن قراره، لعلمه أن الطريق إلى مصر محفوف بالمكاره الجسام؛ والخطر محدق بها لأن الصحراء الليبية التي سيعبرها إلى مصر كانت إحدى بؤر الحرب بين القائد "رومل" الألماني و"مونتغمري" البريطاني، ولكن محمد كان مصراً على عزمه وقال لصديقه:

(( يجب أن نكون كما عودنا أستاذنا الشيخ بيوض في الإقدام دوما؛ مهما كانت الصعاب وطالب العلم لا يعرف الإحجام أبدا؛ وهو مثل الدبابة الحربية لاتحجمها الوهاد ولا التلال ولا كل مسلك وعر أوأية عقبة كؤود، وهكذا يجب علي أن أكون، حسبي الله ونعم الوكيل...!))  

وارتأى في كيفية سفره فرأى أن يتنكر في زي الأعراب، ويرافق إحدى قوافلهم عبر الصحراء الليبية حتى مصر، وبما أن سحنة وجهه لاتمت إلى سحنات الأعراب إذ هو أبيض مشوب بحمرة؛ فقد جلس على شاطئ البحر التونسي أياما حتى لفحته أشعة الشمس، ولما تم له التنكير؛ وجد في جبهته آثار القبعة التي لبسها في شاطئ البحر، وعاد إليه معرضا ً إياها للأشعة مرة ثانية .

وقبل مغادرته تونس طلب صديقه مرموري أن لا يخبر بأمره أيا كان حتى يقدر وصوله إلى مصر، سيما والديه عند استخبارهما عنه؛ لأنه وحيدهما، ورافق القافلة سيراعلى قدميه مخترقا معها نيران الحرب المستعرة، حتى وصل إلى مصر، وكانت مدة سيره تسعة وعشرين يوما كما يذكر الشيخ عبد الرحمان بكلي - رحمه الله -  

وفور وصوله إلى مصر التحق بجامعة القاهرة، وانخرط فيها بمساعدة أستاذه الدكتور عزام مستمعا إذ لم تكن له الشهادة التي تخول له الالتحاق بها رسميا، ووجد فيها وبدار الكتب المصرية بغيته التي كان ينشدها، ونهل منهما وفتحت أمامه آفاقا علمية واسعة؛ ساعدته على التخصص في علم النفس؛ والتاريخ والأدب العربي، وتعرف على الأدباء المصريين الكبار أمثال محمد عطية الأبراشي وأنور الجندي وغيرهما.

ولقد رابط بدار الكتب المصرية باحثا، وأصبح الكرسي رقم (61) فيها يعرف " بكرسي محمد علي" من طول عشرة ودوام مصاحبة .

ودرس هناك على يد كثير من نبغاء مصر أمثال الدكتور أحمد أمين، وعباس محمود العقاد وغيرهما.

وتشهد على جده وتحصيله؛كراريسه ومذكراته التي جمعها في مصر، ودام هناك في القاهرة إلى سنة 1948م يتحمل النفقات المادية المرهقة، ويتجرع غصص شظف العيش؛ وصبر للعذاب النفسي في غربة موحشة وكثيرا ما يضطر إلى نسخ المخطوط في كراسه بخطه الجميل قبل توفر آلات النسخ والتصوير؛من دون أن يأبه إلى كبر حجمه كما فعل مع مخطوط "كتاب طبقات المشائخ بالمغرب"،"لأبي العباس أحمد الدرجيني" في مجلدين وعدد صفحاته يربو على سبعمائة وخمسين صفحة.

ومما يدل على حرصه في التعلم وقساوته على نفسه حتى لا تنشغل بما يصدها عن التعلم أويشغله عنه:كانت تفد إليه العديد من الرسائل من وادي ميزاب وبالخصوص من والده الحاج علي بعد أن علم بأمره،ولكنه لم يرد فتحها وكان يتركها بختمها؛ ويودعها في كوة ويوصدها بما يحجبها عن نظره، وتجمع فيها العديد من الرسائل.

ولما ملأ وطابه من المعرفة وتخصص في التاريخ والأدب وعلم النفس، وزم حقائبه ليعود إلى بلده وقبل ذلك، فض ختم هذه الرسائل، ووجد فيها من الأخبار المقلقة المشوشة، بحيث تستطيع رسالة واحدة فقط أن تقلق باله وتصده عن طلب العلم وتنكصه على أعقابه إلى بلده. وعلم من هذه بوفاة أحد أعز الناس إليه، ومن تلك إشاعة مغرضة ألصقت به، وهي أنه قد تزوج مصرية شقراء وأنجبها أولاداواستقر به المقام في مصر إلى الأبد ومن الأخرى إلحاح أبيه منه بإصرار الرجوع إلى بلده بعد تطليقه المصرية،  وهكذا دواليك ... !

وإثر قفوله من القاهرة أقيم له حفل مشهود في وادي ميزاب وفي القرارة خاصة، وفرح برجوعه أستاذه الشيخ بيوض إذ استقبله بمعية عزابةومشائخ وطلبة القرارة عند وادي زقرير قبل الدخول إلى القرارة، لأنه أول من يتخرج بشهادة جامعية من تلامذة المعهد، وأول تلميذ منه يدرس في جامعة القاهرة، وفي القرارة نظم له حفل رسمي بهذه المناسبة، وبعد أن قدّم الشيخ بيوض كلمته نادى طالبه محمد علي وقبله أمام الملإ على جبينه قبلة اعتراف واحترام وتقدير.

------------------------------------
[1]الشيخ محمد علي دبوز والمنهج الإسلامي لكتابة التاريخ دكتور محمد الناصر ص16.

[1]أرشيف مكتبة الشيخ محمد على دبوز.

العنوان

info@cheikhdabouz.com